مع اقتراب عيد الميلاد المجيد.. ميلاد رب المجد
.. مخلص البشرية كان لا بد لي من وقفه عند هذا العيد السماوي وما يترافق معه من
سلوكياتٍ مجتمعية أبعدت الجوهر الحقيقي للعيد الى ما وراء الذهن ، وهذا ما يثير
الأسى في القلوب.
عيد ميلاد المسيح رسالة سلامٍ للبشرية، رسالة
مصالحة بين الخالق و المخلوق حيث تجسد الله في صورة إنسان، ميلاد المسيح نوراً
للأمم وفرحاً للبشرية كما بشر الملاك قائلاً: " ها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم
يكون لجميع الشعب " لوقا 2 : 10
انتقل الميلاد من حالٍ الى حال وتبدلت المفاهيم
حتى يكاد يفقد العيد روحانيته وتبتعد المعاني عن حقيقتها وتحل الحفلات مكان
العبادة حتى بات العيد مناسبة اجتماعية بامتياز لها فنونها وسلوكياتها الخاصة
ليكون التركيز فيها على تبادل الزيارات المنافقة للأهل والأصدقاء ومجرد أشجاراً
مزينة وأضواءً تتلألأ وبازاراتٍ وحفلات تقام هنا وهناك.
لم يولد المسيح لنرتاد الفنادق الكبرى للمشاركة
في الحفلات الموسيقية الصاخبة فالمسيح لم يعرف سوى مغارة بسيطة ولد فيها ولم يسمع إلا
أصوات الملائكة تمجد الله " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس
المسرة " ... المسيح لم يولد ليكون ضمن خطته تناول " عشاء الميلاد
" والتلذذ بالديك الرومي المحمر وكأساً من النبيذ الأحمر ... لم يولد المسيح
لنشتري الملابس الجديدة والعطور الراقية في حين أن المسيح ذاته لم يملك سوى قمطاً
بسيطاً ولم يستنشق إلا رائحة نفس الحيوانات التي كانت بداخل المغارة ... لم تتزين
بيت لحم بالأشجار والأضواء حين ولد المسيح ولكنها زينت بدماء الصبيان من ابن سنتين
فما دون الذين قتلوا على يد هيرودس الملك في مؤامرة للتخلص من الطفل المولود.
رسالة الميلاد تقدم لنا معاني التواضع والبساطة
والمحبة والسلام والخلاص ... رسالة الميلاد تبدأ حين يولد المسيح في حياتنا .. حين
نحب بعضنا بعضاً .. حين نسامح ونصفح عن زلات بعضنا بعضاً .. حين نطعم الجياع،
ونروي العطشى، ونكسي العريانين، ونعود المرضى ونزور السجناء ... رسالة الميلاد
تبدأ بالمحبة ، فالمحبة لا تحسد ولا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تطلب ما لنفسها ..
المحبة تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء.
لننزع عنا ثوب الشر والرياء .. ثوب التسلط والكبرياء
.. ثوب التعب والعناء ، ولنلبس ثوباً منيراً خلاصياً .. لنلبس ثوب المسيح.
لا أرفض زينة الأشجار والأنوار والملابس والحفلات
فهي ذات رونق في مظاهرها ولكن ألا تطغي لتصبح هي العيد ... ألا تطغي على روحانية
العيد وتمجيد صاحب العيد ذاته .. فلنجعل من العيد فرصة لزينة القلب والروح الى
جانب مظاهر الزينة الدنيوية.