لم يشهد المسيحيين في التاريخ البشري الحديث هجمةً شرسة كما يشهدها مسيحيي
الموصل في العراق حيث دُمرت كنائسهم وأُضرم فيها النار وسُلبت أموالهم وممتلكاتهم
وانتُهكت أعراضهم وأُجبِروا على مغادرة أرضهم التي عانقوا ترابها منذ مئات السنين
.. إنها بحق هجمة بربرية قذرة من قِبل ما يسمى دولة الخلافة الإسلامية لن يغفرها
التاريخ.
الأشد غرابة في الأمر أن العالم الإسلامي لم يبدي تعاطفاً إزاء ما يحدث
للمسيحيين في الموصل من مجازر وإرهاب حقيقي تعدى في حقيقته كل القيم الإنسانية
والقيم الدينية التي تدعو إليها الأديان، على الرغم من أن داعش المرتزقة تبرر
أعمالها بغطاء إسلامي متشدد، وهذا ما يضر بالإسلام ويقود إلى تشويه صورته التي لم
تكن في يوماً ما أداةً للقتل والسلب وانتهاك الأعراض.
لماذا لا يقف المسلمون وقِفة عزٍ وكرامة في الميادين والساحات العامة ليعبِّروا
عن رفضهم لما تقوم به داعش باسم الإسلام ؟ لماذا لا تُعبر الحكومات العربية
والإسلامية عن إدانتها للأعمال الوحشية التي تستهدف المسيحيين في العراق ؟ هل أن
الأمر لا يعني أحداً أم أن الجميع أصبح رهينةً لفكر داعش وفكر السياط والرجم وجهاد
النكاح.
لنتصور ما يحدث في العالم بسيناريو مقلوب ؛ ماذا لو أن متطرفين غربيين في
أحد الدول الأوروبية قام بقتل مسلم واحد لأجل إسلامه عقيدته، هل ستبقى ميادين
الدول العربية والإسلامية خالية، أم أنها ستشهد زحف المئات بل الآلاف من المسلمين
ليعبروا عن رفضهم واستنكارهم لهذا العمل الجبان. وماذا لو تدخلت أحد الدول
الأوروبية في ظل هذه المرحلة الراهنة لحماية المسيحيين في العراق وسوريا وأخذت
تقتل كل من يتعدى عليهم. لماذا ما زلنا ننظر لبعضنا البعض من منظور العقيدة فقط ..
أليس هناك وحدةً في المصير؟؟
إن ما تقوم به داعش هو أشد فظاعة وإرهاباً من ما تقوم به إسرائيل على أرض
فلسطين العربية، ومع ذلك فإن العالم بأسره بمسلميه ومسيحييه يتعاطف مع الفلسطينيين
على الرغم أن شدة الجرائم التي تقوم بها إسرائيل هي أخف وطئاً من تلك التي تقوم
بها داعش في أرض العراق وسوريا. ومع ذلك نناهض إسرائيل وبشاعة احتلالها وجرائمها
اللا إنسانية في كل يوم وفي كل ساعة.
من هنا لا بد أن تكون هناك وقِفة حقيقية للدفاع عن الإسلام فهذه الجرائم
ليست من صفات الإسلام الذي ينادي بالسلام والتسامح والتآخي في العالم أجمع. على
الحكومات العربية والإسلامية وكذلك كافة المنظمات والمؤسسات الإسلامية في العالم
أن تبرهن أن هذه الفئة خارجة عن القانون وتعاليم الإسلام الحقيقة والتصدي لها بكل
قوة فالمرحلة لا تتطلب بياناتٍ واستنكارات ومراقبة عن بعد لأن هذا الفكر الداعشي
ينخر في مجتمعاتنا كالسوس ويمتد كالخلايا السرطانية القاتلة، تلك المجتمعات التي
أقصد يعيش بها المسلمون والمسيحيون على السواء بكل محبة وتآخي ومصيرهم مشترك،
فالدواعش المرتزقة لا تفرق بين مسلم ومسيحي بقدر ما تفرق بين الانتماء لها، فمن
ليس معها فهو عليها وهو بلا محالة كافر لا حق له بالحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيك يهمني ( مجرد رأي )